حماية آثار سوريا- جهود التعاون والتحديات المستمرة بعد الحرب

المؤلف: د. خالد عزب09.25.2025
حماية آثار سوريا- جهود التعاون والتحديات المستمرة بعد الحرب

بادرت الحكومة السورية الجديدة بحكمة إلى التعاون الوثيق مع خبراء المتاحف والآثار السورية، بهدف حماية المواقع الأثرية الثمينة من خطر النهب والتخريب الذي هددها مع انهيار النظام السابق. ومع ذلك، لا يزال مصير الآثار في هذا البلد الذي مزقته الحرب يثير قلقًا عميقًا لدى المهتمين، فهي تمثل إرثًا تاريخيًا لا يقدر بثمن.

صرح السيد محمد نظير عوض، المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا منذ عام 2020، بأن المسؤولين عن الآثار سارعوا إلى التواصل مع هيئة العمليات العسكرية للمعارضة فور دخولها دمشق، لتنبيههم إلى المخاطر المحدقة بالآثار. واستجابت الهيئة على الفور بإرسال قوات لحماية هذه المواقع الأثرية على مدار الساعة، وبذلك تم إنقاذ مقتنيات هذه المنشآت من النهب الذي عانته الآثار العراقية إبان سقوط النظام قبل عقدين من الزمن.

وعلى النقيض من الفوضى التي غالبًا ما تصاحب الحروب الداخلية أو الغزوات الخارجية، لم تشهد المواقع الأثرية السورية سوى عدد محدود من الحوادث المؤسفة بعد سقوط النظام. من بين هذه الحوادث، الحريق الذي اندلع في "المعهد التقني للآثار والمتاحف" داخل قلعة دمشق، وسرقة بعض القطع الأثرية من متحف طرطوس. ويعود الفضل في ذلك إلى سرعة تحرك القوات التي حررت سوريا وأحكمت سيطرتها على البلاد، بالإضافة إلى الدور المحوري الذي لعبته مبادرة "إيكوموس سوريا" تحت شعار "تراثك حياتك"، والتي هدفت إلى توحيد الجهود لحماية التراث السوري من النهب والتدمير. لقد ساهمت هذه المبادرة بشكل كبير في الحد من الأضرار التي لحقت بآثار ومتاحف سوريا.

لقد أزاح هذا التحرك السريع جزءًا كبيرًا من القلق الذي خيم على الأجواء لسنوات طويلة من الحرب، بشأن مصير الآثار التي تحولت إلى ساحات للقتال والنهب. وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن نسيان المشهد المروع الذي شهده العالم قبل عقد من الزمان، عندما أقدم تنظيم الدولة على إعدام عالم الآثار السوري القدير خالد الأسعد (82 عامًا) في تدمر، المدينة التي أفنى حياته في دراستها، ووصفه التنظيم بـ "مدير الأصنام". ثم أقدم التنظيم الإرهابي على ربط أشخاص بأعمدة معبد "بعل شمين"، الذي يعتبر جوهرة عالمية مسجلة في قائمة التراث العالمي، وفجرهم بوحشية.

ومع ذلك، لا تزال مبررات القلق قائمة، فالنزيف الذي تعرضت له آثار سوريا خلال السنوات العجاف كان غزيرًا، لدرجة تجعل من الصعب حصر الأضرار التي لحقت بالمواقع الأثرية. ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين:

  • أولًا: تحول العديد من المواقع الأثرية خلال سنوات الحرب إلى معسكرات وأماكن لتخزين الأسلحة، وشهدت هذه المواقع وما حولها معارك طاحنة ومدمرة. وتعرضت المدن العتيقة، مثل حلب، للقصف العنيف، مما أدى إلى تدمير سوقها التاريخي، الذي يعد الأكبر في العالم، ويضم أكثر من 4 آلاف متجر. وقد تم ترميم جزء منه لاحقًا. كما تضرر الجامع الأموي في حلب، وهو من أقدم المساجد في العالم الإسلامي ورمز للعمارة الأموية، وتحديدًا مداخله ومئذنته. كانت السيطرة على هذا الجامع ورفع العلم فوقه يمثل رمزًا للسيطرة على المدينة. وبالمثل، لحقت أضرار بمدخل وأجزاء من قلعة حلب، التي تعد أيضًا رمزًا للمدينة.
  • ثانيًا: تعامل تنظيم الدولة، خلال فترة نفوذه، مع الآثار، وخاصة تلك التي تعود إلى حقب ما قبل الإسلام، بمنظور متشدد يرى أنها أوثان. وفي المقابل، تعامل نظام الأسد معها باعتبارها موردًا اقتصاديًا لا أكثر، دون اكتراث بالقتال الدائر حولها أو تدميرها، ولا بالتنقيب غير المشروع عن الآثار أو تهريبها، وبذلك كان شريكًا في تدمير تراث سوريا بكل ما تحمله كلمة تدمير من معاني ودرجات.

خلال سنوات الحرب، أصبح تدمير التراث ممارسة شائعة على مستويات مختلفة. فقد تم تفكيك أجزاء كاملة من بيوت دمشق التراثية ونقلها إلى خارج سوريا، دون أن يدرك من قاموا بذلك أنهم يفككون روح دمشق القديمة.

كانت السرقة التي تعرض لها متحف حماة عام 2012 بمثابة مقدمة لتكرار نفس الفعل في متاحف أخرى، مثل متحف الرقة الذي نُهبت منه 6 آلاف قطعة، ومتحف إدلب الذي سُرقت منه "رقم طينية" (ألواح كتابة) من مكتبة إيبلا التاريخية.

تضمنت هذه الرُقم موضوعات اقتصادية وسياسية واجتماعية ذات أهمية كبيرة للمؤرخين. ووصل الأمر إلى مصادرة السلطات التركية ما لا يقل عن 20 ألف قطعة أثرية سورية كانت في طريقها للتهريب، بالإضافة إلى مصادرة السلطات اللبنانية لعدد آخر من القطع الأثرية السورية المهربة. وفي تلك الفترة، امتلأت صالات بيع الآثار بالقطع الأثرية السورية، مما أثر سلبًا على قيمتها المادية.

ولكن على الجانب المشرق، هبّت العديد من المؤسسات الدولية لإنقاذ تراث سوريا، وأعلن المجلس الدولي للمتاحف قائمة حمراء للتراث السوري المسروق والمسجل في سجلات سوريا الأثرية.

ضمت هذه القائمة مئات القطع، بما في ذلك مجوهرات كالخواتم المصنوعة من الذهب والفضة، وقلادات على شكل نجمة أو زهرة، وأساور وأقراط مرصعة بالأحجار الملونة، وأختام أسطوانية ومسطحة من الحجر أو الفخار، وعملات أثرية تعود للعصور الرومانية والإسلامية، وقطع فخارية من مختلف العصور، وعناصر معمارية وأرضيات من الفسيفساء وأسلحة وتماثيل حجرية وأوانٍ فخارية، ولكن القطع الأكثر فقدانًا كانت تلك التي ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ.

في عام 2017، دعم صندوق صون التراث، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، ترميم أسد أثينا، وهو من القطع الهامة التي دُمرت في تدمر عام 2015، والذي اكتشفته بعثة بولندية عام 1977. وكان هذا نتاج بعثة لليونسكو أُرسلت إلى سوريا عام 2016 لتقييم الأضرار التي لحقت بتدمر.

ومن المفارقات العجيبة، أن التدمير أفضى إلى فائدة في إحدى الحالات، حيث أدى إلى اكتشاف طبقات كان من الصعب الوصول إليها، كما حدث في باب النصر بالسور الشمالي لحلب، حيث تم الكشف عن أجزاء من السور القديم والباب وطبقات أقدم.

إن ما قامت به السلطات حتى الآن هو عمل محمود، ولكنه غير كافٍ. فالتعامل مع تراث سوريا لا يزال يتطلب من السلطات الحالية إطلاق حملة دولية واسعة النطاق لحماية المواقع الأثرية والمتاحف، وإعلان موقف واضح وصارم بشأن هذا التراث الثمين. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة للتعامل الفوري مع الأضرار التي تتطلب تدخلًا عاجلًا، ووضع خطة وطنية شاملة لإنقاذ وترميم المواقع المتضررة وفق جدول زمني يحدد الأولويات. فمئات المواقع وعشرات المتاحف باتت في حاجة مُلحة لهذه الخطة.

إن الاهتمام بالآثار ليس ضربًا من الترف، فهي ليست مجرد مكتشفات تعود إلى الماضي السحيق أو القريب، بل هي وسيلة قيمة نستخدمها لفهم الإنسان وتتبع مسيرة تطور المعرفة الإنسانية.

تخبرنا هذه الآثار عن هويتنا في الماضي، وكيف أصبحنا على ما نحن عليه الآن. وبين هذين السؤالين تكمن مساحة واسعة من الزمان والمعرفة والتطور الذي شهدته البشرية. إن هذه الآثار تساعدنا على إعادة بناء الماضي وتفسيره، وهو هدف وطني نبيل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة